عن دار الورد الأردنية، صدر، حديثا، كتاب للباحث محمد عبد السلام الأشهب، وهو يحمل عنوان "أخلاقيات المناقشة في فلسفة التواصل لهابرماس". والكتاب من حجم متوسط يقع في 262 صفحة.
ينطلق الكتاب من معالجة إشكالية الاندماج الاجتماعي في مجتمع
يخترقه التعدد الثقافي والسياسي، ذلك أن إشكالية التعدد الثقافي لم تكن مثار
اهتمام الفلسفة، بحيث تولد هذا الاهتمام مع الجيل الثاني والثالث لمدرسة
فرانكفورت. فالسؤال هو: كيف يمكن أن نضمن مساواة متبادلة تبيح لنا الحق في الكلام
والفعل بغض النظر عن هوية الاختلاف؟.
لقد انبثق هذا الإشكال من قلب الأزمة الأخلاقية التي صاحبت
صعود الحزب الاشتراكي الديمقراطي النازي، حيث مارس عملية طرد وملاحقة الهويات
المتعددة، لكونها لا تنتمي إلى سيادة الشعب. كما أن أزمة الاندماج هي نتيجة سيادة
العقل الأداتي والاستراتيجي على العالم المعيش. ومن ثمة، فإن الإنسان بات أسيرا
لمخططات مجهولة تحرك قدره وتسوقه نحو الغموض ضدا على إرادته واستقلالية تفكيره. إن
تنفيذ مشاريع ليبرالية موجهة تسلب الإنسان حقه في التعبير والمشاركة وإبداء
الرأي...وهذا الإجهاز على الاختلاف يولد حالة من الاحتقان الاجتماعي يتمظهر في
أشكال من الصراعات والعنف والإقصاء..كيف يمكن تحرير الإنسان أو لنقل العالم المعيش
من المجهول؟.
ذلك هو السؤال الذي انخرط في الإجابة عليه الجيل الأول لمدرسة
فرانكفورت. لكن المعالجة الفلسفية لكل من هوركهايمر وأدورنو وإيرك فروم... لم تخرج
عن رسم صورة سوداوية تعكس قدر الإنسان الذي يرزح تحت سيطرة عقل منفلت عن الضوابط
المعيارية والأخلاقية والحقوقية. لكن مساهمة الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس
(1929) ستنجح في رسم الإمكانات المحتملة، من خلال منعطفه اللغوي، للخروج من أسر
عقل تمرد عن الإرث الأنواري وساق البشرية نحو الدمار. وفي هذا السياق يأتي كتاب د.
محمد الأشهب ليمد القارئ العربي بخارطة تداولية يمكن أن تساهم في بلورة تصور عربي
يعزز الكونية الهابرماسية من أجل بناء قرارات استراتيجية تجنب الإنسانية الحروب
والصراعات والعنف.
في مقدمته، يشير محمد الأشهب إلى أن التواصل "لم يعد
منحصرا في المجال التداولي المرتبط بتبادل المعلومات وتقنية تبليغها، بل أصبح يشكل
نظرية علمية وفلسفية مستقلة بذاتها". ومن ثمة، فالمنعطف الفكري الذي أحدثه
هابرماس يقوم على النظر إلى أن التواصل لا يتأسس على ذات متعالية أو مرجعية دينية
أو خطاب أسطوري يحمل في ذاته سلطة الإكراه، بل "العقلانية التواصلية التي
يدافع عنها هابرماس تعد مدخلا للحداثة النقدية باعتبارها مشروعا غير مكتمل، إنها
عقلانية موجهة نحو التفاهم"، بمعنى عقلانية بديلة عن العقلانية الغائية التي
تروم تسخير الإنسان كما لو كان وسيلة وليس غاية في ذاته. ومن هنا تجدر الإشارة إلى
الأهمية التي يكتسيها كانط في المتن الفلسفي لهابرماس. فالعودة إلى كانط هي عودة
"من أجل استثمار روح فلسفته الأخلاقية ومقاصدها، خاصة في بعدها الكوني"،
يقول الأشهب، بل إن حضور الأخلاق الكونية الكانطية، يعني البحث عن معايير إلزامية
تخص الأطراف المساهمة في النقاش، بحيث لا تقوم أخلاقيات المناقشة على مضامين
ممتلئة بقيم السعادة أو الخير، إنها "أخلاق إجرائية خالية من أي مضمون
معياري". أخلاق تنضبط لشروط الحوار من أجل تحقيق قناعات مشتركة وتماسك
اجتماعي ممكن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق