الأحد، 31 مارس 2013

حوار مع الباحث في الفلسفة المعاصرة محمد عبد السلام الأشهب بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة


 حوار مع الباحث في الفلسفة المعاصرة  محمد عبد السلام الأشهب :أستاذ الفلسفة بجامعة بن زهر- أكادير
         الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة  في ظل ما يسمى بالربيع العربي هو احتفال بثقافة الاعتراف بالأخر و تضمنه بدل احتوائه و إقصائه،هو احتفال بثقافة المواطنة و الموطن الجديد الذي يؤمن بمصيره بيده بدل ثقافة الخضوع و الخنوع للراعي الذي يدعي المسؤولية عن رعيته إلى اجل غير مسمى.
- ماذا يعني لكم الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة؟

-         الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة هو احتفال بالعقل  و بالقيم الإنسانية التي لطالما ناضل الفلاسفة من أجل تكريسها في الواقع اليومي، و من أهم هذه القيم التي على أساسها قررت منظمة اليونسكو الاحتفال بهذا اليوم نذكر قيمة التسامح التي احتلت دائما حيزا مهما في الخطاب الفلسفي سواء الحديث أو المعاصر.الاحتفال اليوم في ظل ما يسمى بالربيع العربي هو احتفال بثقافة الاعتراف بالأخر و تضمنه بدل احتوائه و إقصائه،هو احتفال بثقافة المواطنة و الموطن الجديد الذي يؤمن بمصيره بيده بدل ثقافة الخضوع و الخنوع للراعي الذي يدعي المسؤولية عن رعيته إلى اجل غير مسمى.الاحتفال اليوم أيضا يجب أن يكون احتفال بثقافة الحق في العدالة و المشاركة الفعالة و الكرامة و الإنصاف.إنها مناسبة للاحتفال بميلاد الإنسان العربي الجديد الذي سيتذكره التاريخ  أنه في الربيع العربي قرر القطع مع الاستبداد و التسلط  و الطغيان بكل أشكاله و تحرير الفضاء العمومي من هيمن الأنظمة السياسية الفاسدة التي لطالما تعاملت مع المواطن باعتباره رعية  لا زال يحتاج إلى الوصاية على ماله و أفكاره و قراراته أي انه مجرد  احتياط انتخابي تزين به واجهة الديمقراطية المزيفة لإضفاء الشرعية على أنظمة لاشرعية لها.
وبالمناسبة شاركت مؤخرا في ندوة دولية بتونس من تنظيم كرسي اليونسكو الذي يترأسه الباحث التونسي الجاد فتحي التركي و التي كان موضوعها حول الهوية الثقافية و حقوق الإنسان التعددية الثقافية و لاحظت أن المواطن التونسي تحرر بصفة نهائية في خطابه من لغة الخوف و أصبح يعبر بطريقة حرة وبجرأة غير معهودة في زمن الاستبداد أثناء حكم الهارب بن علي.فأصبح عاديا بتونس أن ترى كتبا تتحدث عن بن علي الفاسق و المستبد.إن القطع مع ثقافة الخوف هو المدخل الوحيد لتحرير الإنسان و بنائه و فك القيود الذي ضربت على عنقه. وبالناسبة ذاتها أشير أن المشروع الذي يرعاه كرسي اليونسكو بتونس بإشراف من  فتحي تريكي خصص العديد من لقاءاته لتعزيز فكرة التسامح و الحوار بين الثقافات والتعددية الثقافية و العبرثقافية.لكن بالنسبة لنا بالمغرب لازال الاحتفال بهذا اليوم لايرقى إلى المستوى المطلوب للمكانة التي يحتلها الفكر الفلسفي بوطننا وذلك راجع لغياب جمعيات قوية تهتم بالشأن الفلسفي .
-         2- هل يمكن الحديث الآن عن تراجع الخطاب الفلسفي في المغرب؟
الحديث عن تراجع يفترض أنه كان هناك تقدما من قبل و الحال أنه يصعب الحديث عن فلسفة بالمغرب بصفتها تقليدا يجعلنا نتحدث عن فلسفة مغربية كما هو الأمر في الفلسفة الألمانية أو الفرنسية و الانجليزية. في مثل هذه التقاليد الكبرى و العريقة في التفكير الفلسفي نتحدث عن ظهور نظريات واختفاء أخرى و عن سجالات فلسفية كبرى بين رواد مختلف هذه النظريات.كما تجد تقاليد فلسفية عريقة بهذه الجامعة أو تلك. و من منطلق متابعة التحولات التي يمكن |أن يعرفها الخطاب الفلسفي بين فترة و أخرى يمكنك أن تقارن لتجزم القول بالتراجع أو التقدم.والسبب في غياب هذه التقاليد هو غياب مأسسة البحث الفلسفي في أفق خلق مشاريع فلسفية قد يواصل فيها الجيل اللاحق ما أنجزه  الجيل السابق.صحيح أن الجابري رحمه الله أسس مشروعا فلسفيا مهما ينطلق فيه من التراث العربي الإسلامي الذي مارس عليه منهجا نقديا جعل النقاد يعتبرون المرحوم كنت العرب،لكن قل لي هل هناك من سيواصل المهمة الفلسفية التي شرع فيها المرحوم.أعتقد أن الأمر صعب التحقيق في غياب جيل من الفلاسفة الشباب الذين تكونوا في المدرسةالجابرية.في المقابل أعطيك مثال،خذ مثلا النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت التي تأسست سنة1923  بجامعة فرانكفورت و بحكم اشتغالها بمنطق المؤسسة الفلسفية التي قامت على فكرة مأسسة البحث الفلسفي في إطار مشاريع بحثية كبرى تمكنت من الصمود و الاستمرارية إلى يومنا هذا بحث أن تاريخ الفكر الفلسفي المعاصر يتحدث عن أجيال داخل النظرية النقدية.الجيل الأول مع هوركهايمر،أدورنو،ماكوزه،و إريتش فروم و الجيل الثاني مع هابرماس و الجيل الثالث لازال يواصل الطريق مع أكسيل هونث و كلاوس هوف والبرت فيلمر…. و هو الجيل الذي لازال يشتغل بنفس منطق الجيل الأول  في ما يتعلق بالمشاريع البحثية الكبرى. و هذا لابد أن يساهم في تطوير التقليد الفلسفي المتعلق بالنظرية النقدية عموما التي أصبح الحديث عنها يتم بصيغة الجمع.و نفس الأمر ينطبق على الفلسفة التأويلية و النظرية النسقية في العلوم الاجتماعية مع نيكلاس لومان ….أعتقد حينما نصل إلى مثل هذه التقاليد آنذاك يمكننا الحديث عن تراجع و تقدم . بل و الأكثر من ذلك ففكرة التقدم و التراجع في الفلسفة و الفكر عموما فيها نظر.المهم بالنسبة لي بعد وفاة المرحوم الذي يعد رمزا للفلسفة المغربية إلى جانب كل من المفكر عبد الله العروي وطه عبد الرحمان يمكن القول أن الفلسفة بالمغرب ستؤسس لمرحلة مابعد الجابري من حيث القضايا التي تتناولها وهذا عمل نلمسه لدى الباحثين الشباب اليوم في الفلسفة التي لم تعد منشغلة فقط بقضايا التراث في علاقته بالحداثة،بل الأكثر من ذلك هذا الأمر بدأنا نلمسه حتى عند بعض الباحثين الذين كرسوا جزءا كبيرا من أبحاثهم للفلسفة الإسلامية و قضايا التراث.فالأستاذ المصباحي على سبل المثال أصبح يكتب كتبا في غاية الأهمية حول فلسفة الحق و الفلسفة الانثبولوجية و الحداثة السياسية و الأخلاقية انطلاقا من مساءلته للنصوص فلاسفة كبار مثل هابرماس و  ليواستروس و أمارتيا صن. و كتابه الأخير الصادر عن دار الطليعة تحت عنوان"من أجل حداثة متعددة الأصوات" خير دليل على ما أقول.
خلاصة القول أن الفلسفة في المغرب يمكن لها أن تساير القضايا التي يدور حولها النقاش الفلسفي و هذا من شانه أن يعطينا أعلام جدد يقدمون أجوبة عن أسئلة المرحلة التي تختلف عن أسئلة الجيل السابق.
-         3- باعتباركم تزاولون مهمة تدريس الفلسفة بالجامعة، كيف تقيمون أفق التفكير الفلسفي؟
كما تعلم أنني لم ألتحق بالجامعة إلا مؤخرا لكن متابعتي لما يجري في الحقل الفلسفي تسمح لي للقول بأن تدريس الفلسفة تطورا كميا بشكل مهم إذ فتحت العديد من الشعب لمادة الفلسفة بالعديد من الجامعات المغربية و قد صاحب هذا الإصلاح ظهور العديد من مسالك للفلسفة في سلك الإجازة و ووحدات للماستر و الدكتوراه. و الملاحظ أن العديد من هذه المسالك و الوحدات البحثية بدأت تنحي منحى الاهتمام يقضايا الفلسفية العملية أكثر من الاهتمام بالقضايا المتافزيقية أو حتى الاهتمام بالفلسفة الإسلامية لم يعد هو المسيطر في الجامعة كما كان عليه الأمر حينما كانت الفلسفة متمركزة بفاس و الرباط و هذا مؤشرا على المسار الذي بدأ يسلكه الباحثون الجدد في المجال الفلسفي,فأصبح الاهتمام منصبا على الفلسفة السياسية وفلسفة الدين و الحق و الأخلاق و الفلسفة التأويلية وقضايا التواصل و الحوار و هذا طبعا يتماشى مع التحولات التي يعرفها الفكر الفلسفي العالمي الذي أعاد الاعتبار لهذه القضايا العملية التي هي اقرب لانتظارات الإنسان المعاصر لمواجهة التحديات التي تواجهه.والفلسفة اليوم إذا لم تنخرط في ما يمس الإنسان بشكل مباشر لن يكون لها صدى في المجتمع الذي تسيطر عليه النظرة التقنقراطية التي تختزل كل شيئ في عمليات حسابية و تقنية ضيقة.
-         4- صدرت مؤخرا مذكرة وزارية تحت اسم " المواد المتآخية" أو المتقاربة، بحيث يسمح بموجب هذه المذكرة إسناد تدريس الفلسفة لتخصصات من خارج الفلسفة، أي يمكن لحامل دبلوم في أصول الدين، التربية الإسلامية، القانون أو اللغة العربية…أن يقوم بمهمة تدريس الفلسفة بالثانوي التأهيلي.هل هذا الفعل ممكن فلسفيا ؟
بحكم تجربتي كمدرس لمادة الفلسفة بالتعليم الثانوي لمدة تزيد عن عقد من الزمن و التي أفتخر بها لأنني استفدت منها الشيء الكثير في كيفية تحويل و نقل الأفكار الفلسفية المعقدة لتلاميذ لا يعرفون حتى كلمة الفلسفة ، بل أكثر من ذلك يحملون تصورات عدائية للفلسفة،أكاد أقول أنه من أصعب المواد للتدريس بالتعليم الثانوي هي مادة الفلسفة. بل و بحكم تجربتي السابقة بالتعليم الخصوصي أيضا كنت دائما أسمع من مديري المؤسسات الخصوصية أن اختيارهم لمدرس الفلسفة للتلاميذ بمؤسساتهم يؤرقهم أكثر من اختيار الأساتذة الآخرين.فأنا اجزم بأنه يستحيل لمدير مدرسة خصوصية أن يسند تدريس هذه المادة لغير المتخصص فيها الذي هو الأستاذ الذي يمارس داخل القسم.  لكن استهتار المسؤولين بالتعليم العمومي عودونا على مثل هذه القرارات الارتجالية. فإذا كان ذلك باسم الخصاص فأنا أقول يمكن حذف المادة من الجذع المشترك مرحليا بدل هذا القرار البليد الذي يسند مادة من أصعب المواد إلى غير أهلها، اللهم إذا كانت النية المبية هي ضرب مصداقية الفلسفة لدى التلميذ من الأساس. إن مثل هذا القرار لا يمكن لعاقل أن يقبله. و بالمناسبة أناشد النقابيين و على رأسهم الأستاذ بلعربي الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم التابعة للكنفدرالة الديمقراطية للشغل الذي هو أستاذ الفلسفة أن يكون من اكبر المناهضين لذا القرار الذي يضرب مصلحة التلميذ و يعطي صورة سيئة له عن الفلسفة.

-         5- تزامن اليوم العالمي للفلسفة بحدث شهده المغرب، الأمر يتعلق بالانتخابات التشريعية.من زاوية نظركم كمهتم بالفلسفة السياسية، كيف تقيمون الأسس الديمقراطية للفعل الانتخابي بالمغرب؟

الانتخابات في نظري سلوك حضاري لاختيار الممثلين الشرعيين لتدبير الشأن العام للمواطنين الذين انتخبوهم مع ربط تحمل المسؤولية بالمحاسبة في الأخير.لكن ما موقعنا نحن من هذا؟
أعتقد أن السلوك الانتخابي بالمغرب لازال جد متخلف من حيث ممارسته لدى نسبة ساحقة من المواطنين"الرعايا " في نظر السياسيين.لأن الانتخابات عندنا هي غاية في ذاتها و ليست مجرد وسيلة و الدليل على ذلك أن كل المرشحين يريدون الحصول على صوت الناخب بأي طريقة و لو كانت غير مشروعة و أن الأحزاب السياسية لا تبحث سوى عن المرشح القادر على الفوز بالمنصب. بينما من منظوري الفلسفي أرى أن الانتخابات كوسيلة يجب أن تخضع لمنطق اختيار الأشخاص الأكفاء لتحمل المسؤولية و خدمة الوطن و المواطنين كما هو متعارف عليه في الأنظمة الديمقراطية التي يخضع فيها السلوك الانتخابي لمبادئ الفلسفية السياسية التي تؤسس لدولة الحق و القانون القائمة على المسؤولية و المحاسبة.فالعمل السياسي لدينا ما دام لم يخضع لهذه القاعدة سيظل مجال  للريع السياسي الذي يدر منافع لا يعلمها إلا صاحبها. وأخر صيحات تكريس ثقافة هذا الريع هو ما سمي بلائحة الشباب و النساء في انتخابات الخامس و العشرين من نونبر.كيف يعقل أن نتحدث عن الديمقراطية كمجال للمنافسة في المشاريع في مستوياتها بينما تمنح ل"شاب" منصب برلماني ليقرر في مصير الشعب دون أن تكون له لا تجربة و لاهم يحزنون سوى أن أباه أو احد أفراد عائلته وضعه على راس اللائحة و كذلك الأمر بالنسبة للنساء. بالله عليك هل سمعت بهذا في دولة دمقراطية.فأنا مستعد أن يحكمني من شاء بغض النظر عن سنه أو جنسه إذا كان قابلا باللعبة الديمقراطية و أن يخضع لمساطرها وغاياتها المتمثلة في خدمة البلد.تصور معي أن تتحول الديمقراطية  بما هي حكم الشعب نفسه بنفسه إلى ديمقراطية الكوطا في كل شيء ليكون لك برلمان فيه نسبة لشباب و أخرى للشواذ وثالثة للنساء و رابعة الشمال و أخرى للجنوب و هكذا داوليك . إن مثل هذه القرارات هي حق أريد به باطل و التاريخ سيكشف ذلك. فالبرلمان في معناه الفلسفي  ليس مؤسسة للترقي و التوظيف بل هو مؤسسة للنقاش و التشريع و الصراع السياسي حول المشاريع التي يمكنها إن  تساهم في رقي حياة المواطن ومحاربة كل أشكال الفساد التي تساهم في إفساد الحياة السياسية التي تعد السبب المباشر في ابتعاد المواطنين عن اللعبة السياسية . من منطلقي الفلسفي كمهتم بالفلسفة السياسية التي تأصل للحداثة السياسية كمدخل لعقلنة الفعل السياسي ودفع المواطنين للمشاركة في العملية السياسية باعتبارهم كائنات سياسية،أرى أن  فلسفة الانتخابات كما تؤسس لها وزارة الداخلية و كما ينظر لها الفاعل السياسي المستفيد  من الوضع الآن لا ترقى إلى المستوى الذي سيجعل المغرب دولة دمقراطية بالمعني المتعارف عليه لدولة الحق و القانون الديمقراطية كما تنظر لها الفلسفة السياسية الحديثة المعاصرة. و المؤشر الأول أتضخ حينما رصدت كمارا الصحفيين برلمانيين نيام بمؤسسة البرلمان.فهل بمثل هؤلاء سيتم تنزيل" الدستور الجديد" عن طريق سن القوانين المنظمة لمجموعة من المؤسسات و الملفات الكبرى.
-         6- يحتاج المشهد السياسي إلى دعامة نظرية وأخلاقية تغني ممارسته، لكن المساهمة النظرية للفلسفة السياسية كخطاب في الواقع العملي، يبدو غائبا. إلى ماذا تعزون الأسباب؟
الزعيم السياسي نفسه لايعرف الفلسفة السياسية و حتى المثقف الذي يمكن أن يزود ه بذلك و ينظر داخل الحزب السياسي و يسمع صوته لا وجود له،و حتى إن وجد بعض المثقفين الفلاسفة فوجودهم مرتبط بانتظار دورهم في الاستوزار.لقد  كان المرحوم  الجابري يدعو دائما إلى وضع المسافة بين المثقف الفيلسوف و السلطة و قد ظل متشبثا برأيه على أن مات دون أن يعرف طريقا لوزارة الثقافة التي كان بإمكانه أن يتقلدها،لكن في ظل الأمية التي يتمتع بها الزعيم السياسي في الفلسفة السياسية لا يمكن لخطاب الفلسفة السياسية أن يعرف طريقه إلى الحقل السياسي.فمن مظاهر  الأزمة التي يعرفها الخطاب السياسي هو غياب تصور فلسفي ينطلق منه السياسي .
7- لقد تخلت الفلسفة عن زعمها القديم، كونها معرفة متخصصة في المطلق وتقول الحقيقة. الآن، المهام المطروحة على الفلسفة إنتاج خطاب عملي يهتم بالقيم الأخلاقية والسياسية.كيف يمكن للفلسفة أن تنخرط في الشأن العمومي؟
هذا شيء طبيعي في الفلسفة المعاصرة خصوصا التي طلقت الفكر المطلق بكل أشكاله.ففي زمن النسبية العلمية لا يمكن للفلسفة أن تظل متشبثة بثقافة المطلق.فالفلسفة اليوم مطالبة بالانفتاح على مباحث علمية أخرى للتعاون مهما لأنها لا يمكنها ادعاء امتلاك الحقيقة.ليست هناك حقيقة بال التعريف.و كما أشرت في الجواب الثالث أن اهتمامات الفلسفة اليوم بالمباحث العملية المتمثلة في الفلسفة السياسية و الأخلاقية و الثقافية و الحوار و التواصل يمكن لها أن تساهم في مناقشة الشأن العام بدون مركب نقص.أعطيك مثالا. فالفيلسوف يورغن هابرماس قي ألمانيا يعد مستشارا للسياسيين بطريقة غير مباشرة لأنه يتدخل بصفة دائمة في مناقشة القضايا العمومية و هو يعتبر نفسه كمثقف من الواجب عليه مناقشة هذه القضايا عملا  بفكرة كنت الداعية إلى التمييز بين الاستعمال العمومي و الخصوصي للعقل. و هابرماس إلى جانب كتاباته الفلسفية الأكاديمية التي تعدت الأربعين كتابا ينشر بصفة دائمة سلسلة كتابات سياسية kleine politische Schriften  هي حصيلة تدخل الفيلسوف في قضايا الشأن العام التي ليست حكرا على السياسي أو عالم السياسة . و القارئ لفلسفة هابرماس يلمس العمق الفلسفي لهذه المداخلات أكثر من القارئ العادي.
8- نلاحظ، حاليا، أن موجة من الشباب الأكاديمي، وضع الاهتمام الفلسفي بين مفترق الطرق، بين الفلسفة القارية والفلسفة الانجلوسكسونية. ماذا يعني انفتاحكم على القارة الانجلوسكسونية؟
الاهتمام بالفكر الأنجلوسكسوني و الألماني و لما لا الإسباني و الإيطالي و الأسيوي هو الذي من شانه أن يساهم في تطوير الخطاب الفلسفي بالمغرب و ليس الارتكان إلى رؤية فرنسية أحادية و التحرر من هذه المرجعية اعتبره مدخلا من مداخل الاستقلال الفلسفي على غرار الاستقلال السياسي. وقد سبق لي أن قلت في حوار أخر بضرورة فك الارتباط بالمرجعية الفرانكفونية لأنها عائق أمام الإبداع الفلسفي بالنسبة لنا نحن المغاربة, المرجعية الفرنسية الأحادية خطر على الفكر الفلسفي المغربي في زمن التنوع الفلسفي و تداخل الثقافات. والأكثر من ذلك فالتقليد الفلسفي الفرنسي فقد بريقه مع رحيل الفلاسفة الكبار أمثال فوكو و دريداو دولوز وسارتر . فهل بالانفتاح علىهنري برنار ليفي فيلسوف الصهيونية. فإسم ليفي  بفرنسا علامة على انحطاط الخطاب الفلسفي الفرنسي المعاصر.أمام هذه الوضعية لا يسعنا سوى نقول بصوت مرتفع التفلسف بالنسبة لنا يمكن أن يجد منطلقاته في مرجعيات و تقاليد أخرى على رأسها التقليد ين الألماني و الأنجلوسكسوني الواعدين. و أنا شخصيا اختياري لهذا الانفتاح ليس إعلان الحرب على التقليد الفرنسي,بل رغبة مني في المساهمة من موقع أخر أرى أن حضوره لا زال باهتا.و بالرغم من المشاكل اللغوية التي لازالت تعترضنا كشباب باحثين فإننا متفائلون بالمستقبل. و قد و جدت في التقليد الألماني و الأنجلوسكسوني هذا الاهتمام بالجانب الفلسفي العملي الأقرب إلى قضايا الشأن العام. و هو تقليد من شانه أن يساهم في بناء المجتمع الحداثي و الدمقراطي الذي ننشده دون الحديث عن التفكيك و مابعد الحداثة وهلم جرا من القضايا التي لا تلائم مجتمعات ما قبل الحداثة.  
9- في الختام نود منكم كلمة أخيرة من أجل المأمول الفلسفي بالمغرب؟
المطلوب اليوم من الباحثين في الفلسفة بالمغرب الاهتمام بالبحث عن ما يجمعنا بثقافة الآخرين و تمتين العلاقات بالباحثين الأجانب من مختلف المشارب الثقافية لإبراز القضايا التي تشتغل عليها الفلسفة ببلدنا و ذلك قصد إبراز الشخصية المغربية.فبالرغم من أن الحديث عن فلسفة مغربية بالمعنى الكامل للكلمة سابق لأوانه إلا أن هناك مجهودات تبذل بالمغرب و تجد صدى لها خاصة في المشرق العربي.كما أن المأمول أيضا من الفلاسفة الشباب حاليا بوطننا الاهتمام بالقضايا التي لها راهنية و ارتباط بالشأن العام على اعتبار أن هذا الشأن لا يجب أن يترك للسياسي و التكنوقراطي وحده ،بل المقاربة الفلسفية يجب أن تحضر. لقد ولى زمن الفيلسوف الذي يتامل في القضايا المتافزيقية والترنسدنتالية البعيدة عن الواقع اليومي للناس.إننا في حاجة إلى فلسفة اليومي وذلك لمحاربة الفكر السطحي الذي تساهم فيه وسائل الإعلام المختلفة المشارب.الفلسفة وبحكم ارتباطها بالمجالات المعرفية الأخرى خاصة العلوم الإنسانية لديها من الوسائل ما يجعلها تكون في واجهة الأحداث.فالفيلسوف اليوم ليس مجرد منتج للأفكار داخل أسوار الجامعة كما قال فيلسوف الفضاء العمومي يورغن هابرماس،بل الفيلسوف هو فاعل باستمرار في هذا الفضاء العمومي من خلال تدخلاته الدائمة بناء على رؤية فلسفية و ليس استجابة لنداء السياسي.ولهذا لايجب أن يفهم من كلامي أن تتحول مهمة الفيلسوف إلى صحافي يومي، بل الخلفية الفلسفية التي ينطلق منها الفيلسوف هي التي تجعل خطابه متميزا عن خطابات السياسي و الصحفي وعالم السياسة.فالالتزام الفيلسوف بقضايا الساعة أمر أصبحت له أهميته اليوم قبل أي وقت مضى.كما إننا  لانريد من الفيلسوف أن يكون مثل "الفيلسوف"الفرنسي برنار ليفي الذي يظل اليوم كله يتنقل بين وسائل الإعلام يروج لسياسة ساركوزي ،إذ تجده ضد الاستبداد في ليبيا و كأنه زعيم حزب تقدمي في فرنسا زمن الاستعمار الفرنسي و لكن حينما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية لا يستطيع أن يفتح فمه كما وقع أثناء حرب الإبادة التي خاضها الكيان الصهيوني ضد غزة.وهي الحرب التي كان يبررها بكل ما أوتي من مغالطات من أجل إرضاء الصهاينة أولياء نعمته. أعتقد أن مهمة الباحثين في الفلسفة في المغرب يجب أن تنصب بدورها على كشف مظاهر الاستبداد في النظم السياسية و الاجتماعية و الثقافية حتى يتسنى لنا تحرير المواطن من ثقافة الخوف التي لا زالت تكبل عقله.إن المهمة الأساسية للفلسفة و الفيلسوف اليوم بالمغرب هي المساهمة في نشر ثقافة التنوير بدل الجري وراء مناصب وزارية تافهة والاصطفاف وراء السياسي لتحرير خطبه المتكرر و الفارغة.المأمول إذن من الفلسفة اليوم هو التأسيس لمجتمع الغد الذي نطمح أن يكون فيه المواطن المغربي يحس بهويته و يفتخر بوطنه عوض أن يسبه و أن يتخلص من بطاقته الوطنية في أقرب ضفة للبحر الأبيض المتوسط.فالخطاب الفلسفي يجب أن يساهم في التأسيس للمواطنة الفاعلة و الإيجابية التي تجعل المواطن في صلب العملية السياسية و هو مصدر السيادة الشعبية التي تجعله قادرا على تقرير مصيره بيده في ظل مجتمع يكون الحكم فيه خاضع لمؤسسات عقلانية و دمقراطية.فإذا كانت السياسة هي خدمة عمومية فالفلسفة بدورها يجب أن تساهم في تأهيل المواطن و توعيته وتسليحه بالفكر النقدي و العقلاني حتى يكون في مستوى المسؤولية لتقديم هذه الخدمة وذلك بالابتعاد عن ثقافة الأنانية و المصلحة الخاصة والارتقاء بسلوكه إلى ثقافة الواجب و الضمير الأخلاقيين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق